الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
وفيه فصلان وفيه ستة أطراف الطرف الأول في البسملة وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في أصل الافتتاح بها كانت قريش قبل البعثة تكتب في أول كتبها باسمك اللهم والسبب في كتابتهم ذلك ما ذكره المسعودي في مروج الذهب عن جماعةٍ من أهل المعرفة بأيام الناس وأخبار من سلف كابن دأب والهيثم بن عدي وأبي مخنفٍ لوط ابن يحيى ومحمد بن السائب الكلبي أن أمية بن أبي الصلـت الثقفـي خرج إلى الشأم في نفر من ثقيف وقريش في عير لهم فلما قفلوا راجعين نزلوا منزلاً واجتمعوا لعشاشهم إذ أقبلت حيةٌ صغيرةٌ حتى دنت منهم فحصبها بعضهم بحجر في وجهها فرجعت فشدوا سفرتهم ثم قاموا فشدوا على إبلهم وارتحلوا من منزلهم فلما برزوا من المنزل أشرفت عليهم عجوزٌ من كثيب رملٍ متوكئةٌ علـى عصـاً فقالـت: مـا منعكـم أن تطعموا رحيبة اليتيمة الصغيرة التـي باتـت لطعامكـم عليلـةً قالـوا: ومـا أنـت قالـت أم العـوام أرملت منذ أعوام أما ورب العباد لتفرقن في البلاد ثم ضربت بعصاها الأرض وأثارت بها الرمل وقالت: أطيلي إيابهم وفرقي ركابهم! فوثبت الإبل كأن على ذروة كل منها شيطاناً ما يملكون منها شيئاً حتى افترقت في الوادي فجمعوها من آخر النهار إلى غدوة فلما أناخوا الرواحل طلعت عليهم العجوز وفعلت كما فعلت أولاً وعادت لمقالها الأول فخرجت الإبل كما خرجـت فـي اليـوم الـأول فجمعوهـا مـن غدٍ. فلما أناخوها ليرحلوها فعلت العجوز مثل فعلها في اليوم الأول والثاني فنفرت الإبل وأمسوا في ليلة مقمرة ويئسوا من ظهورهم فقالوا لأمية بن أبي الصلـت: أيـن مـا كنت تخبرنا به عن نفسك وعلمك فقال: اذهبوا أنتم في طلب الإبل ودعوني. فتوجـه إلـى الكئيـب الـذي كانت تأتي منه العجوز حتى هبط من ثنيته الأخرى ثم صعد كئيباً آخـر حتى هبط منه ثم رفعت له كنيسةٌ فيها قناديل ورجلٌ معترض مضطجعٌ على بابها وإذا رجـلٌ جالـسٌ أبيـض الـرأس واللحيـة. قـال أميـة: فلمـا وقفـت قـال لـي: إنـك لمتبـوع. قلت أجل. قال: فمن أين يأتيك صاحبك قلت: من أذني اليسرى. قال: فبأي الثياب يأمرك قلت: السواد. قـال: هـذا خطيـب الجـن كـدت ولـم تفعل ولكن صاحب هذا الأمر يكلمه في أذنه اليمنى وأحب الثياب إليه البياض. فلما جاء بك وما. حاجتك فحدثته حديث العجوز. فقال: هي امرأة يهودية هلك زوجها منذ أعوام وإنها لن تزال تفعل بكم ذلك حتى تهلككم إن استطاعت قال أميـة: قلـت فمـا الحيلـة قال: اجمعوا ظهركم فإذا جاءتكم وفعلت ما كانت تفعل فقولوا سبعاً من فـوق وسبعـاً مـن أسفـل باسمـك اللهـم فإنها لن تضركم. فرجع أمية إلى أصحابه فأخبرهم بما قيل لـه وجاءتهـم العجـوز ففعلـت كمـا كانت تفعل فقالوا سبعاً من فوق وسبعاً من أسفل باسمك اللهم فلـم تضرهـم. فلمـا رأت الإبـل لا تتحـرك قالـت: قـد علمكـم صاحبكـم ليبيضـن الله أعلاه وليسودن أسفله. وساروا فلما أدركهم الصبح نظروا إلى أمية قد برص في غرته ورقبتـه وصدره واسود أسفله. فلما قدموا مكة ذكروا هذا الحديث فكتبت قريشٌ في أول كتبهـا باسمك اللهم فكان أول ما كتبها أهل مكة وجاء الإسلام والأمر على ذلك. قـال إبراهيـم بـن محمـد الشيبانـي: ولـم تـزل الكتـب تفتـح باسمـك اللهـم حتـى نزلـه قولـه تعالـى: " إنـه مـن سليمـان وإنـه بسـم اللـه الرحمـن الرحيم " فاستفتح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصارت سنـة بعـده. وروى محمـد بـن سعـد في طبقاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كات يكتب كمـا تكتـب قريـش باسمـك اللهـم حتـى نـزل عليـه فكتب باسم الله حتى نزل وذكر في مواد البيان نحوه. وعـن سفيـان الثـوري أنـه كان يكره للرجل أن يكتب شيئاً حتى يكتب بسم الله الرحمن الرحيم. وعـن هشـام بـن عـروة عـن أبيه أنه كان يكره أن يكتب كتاباً أو غيره حتى يبداً ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن سعيد بن جبير أنه كان يقول: لا يصلح كتابٌ إلا أن يكون أوله بسم الله الرحمن الرحيم. وهـذه الأحاديـث والآثـار كلهـا ظاهـرةٌ فـي استحبـاب الابتداء بالبسملة فيما يكتب به من أصناف المكاتبات والولايات وغيرها وعلى ذلك مصلطح كتاب الإنشاء في القديم والحديث إلا أنهم قد اصطلحوا على حذفها من أوائل التواقيع والمراسيم الصغار كالتي على ظهور القصص ونحوها وكأنهـم أخـذوا ذلـك مـن مفهـوم مـا رواه أبـو داود وابـن ماجـة في سننهما وأبو عوانة الأسفراييني في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبـداً فيـه ببسـم اللـه الرحمـن الرحيـم فهـو أقطع يعني ناقص البركة وما يكتب في التواقيع والمراسيم الصغـار ليـس مـن الأمـور المهمـة فناسـب تـرك البسملـة فـي أولهـا لكـن قـد ذكـر محمـد بن عمر المدائني فـي كتـاب القلـم والـداوة أن أهـل العلم كرهوا حذف البسملة من التواقيع والسراحات وذموه. وقد كـان القاضـي علاء الدين الكركي كاتب السر في الدولة الظاهرية برقوق في أول سلطنته الثانية أمـر بـأن يكتـب فـي أولهـا بسملـةٌ بقلـمٍ دقيـق ثـم بطـل ذلـك بعد موته وبقي الأمر على ما كان عليه أولاً. ثـم قـد اختلـف فـي كتابتهـا أمـام الشعر فذهب سعيد بن المسيب والزهري إلى منع ذلك. وذهب سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي إلى جوازه. ويروى مثله عن ابن عباس رضي الله عنـه قـال أبـو جعفـر النحـاس فـي صناعـة الكتـاب ورأيـت علـي بـن سليمـان يميـل إليه. قال محمد بن عمر المدائني: ولا بأس إن يكن بين الشعر وبينها كلامٌ مثل أنشدني فلانٌ الفلاني وشبه ذلك فأما أن يصله بها فلا يجوز. الجملة الثانية في الحث على تحسينها في الكتابة أمـا الحـث علـى تحسينهـا فـي الكتابـة فينبغـي للكاتـب أن يبالـغ في تحسينها في الكتابة ما استطاع تعظيماً لله تعالى. فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كتب بسم الله الرحمـن الرحيـم فحسنـه أحسـن اللـه إليـه. " وعـن واصـلٍ مولـى أبـي عيينـة قـال: سمعت حماداً يقول: كانوا يحبون أن تحسن بسم الله الرحمن الرحيم. وأما ما يجب من ترتيبها فأول ما يجب من ذلك إطالة الباء لتدل على الألف المحذوفة منها لكثرة الاستعمال ثم إثبات السين بأسنانها الثلـاث غيـر مرسـلٍ لهـا إرسـالاً كمـا يفعلـه بعـض الكتاب فقد كره ذلك أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وزيد بن ثابت والحسن وابـن سيرين حتى روى أن عمر رضي الله عنه ضرب كاتباً على حذف السين منها فقيل له: فيم ضربك فقال: في سين فجرى مثلاً. ويروى أن غلاماً لعمر بن عبد العزيز كتب إليه من مصر كتاباً ولم يجعل لبسم الله الرحمن الرحيم سيناً فكتب إليه عمر يأمره بالقدوم إليه فلما قدم قال: اجعل لبسم الله الرحمن الرحيم سيناً وانصرف إلى مصر. وكذلك لا يمد الباء قبل السيـن ثـم يكتـب السيـن بعـد المـدة كمـا يفعـل بعـض كتـاب المغاربة فقد روى محمد بن عمر المدائني مـن حديـث شعيـب بـن أبـي الأشعـث أن رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم قـال: " إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيـم فـلا يمدهـا قبـل السيـن. يعنـي البـاء " وعـن ليـثٍ عـن مجاهـد يرفعـه إلـى النبـي صلـى اللـه عليـه وسلم نحوه. ويروى مثله عن ابن عمر وابن سيرين. وعن عبد العزيز ابن عبد الله وعبد الله بن دينار وغيرهما أن العلماء كانوا يكرهون ذلك وينهون عنه أشد النهي حتى روي عـن الضحـاك بـن مزاحـم أنه قال: وددت أني لو رأيت الأيدي تقطع فيه. نعم يستحب المد بيـن السيـن والميـم كما هو عادة كتاب المصريين وأهل المشرق. وكذلك استحسنوا مد الحاء من الرحمـن قبـل الميـم وقالـوا: إنـه مـن حسـن البيان حتى يروى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن. وهذا مما يتعاطاه كتاب المغرب دون كتـاب مصـر وأهـل المشـرق. أمـا غير ذلك من وجوه التحسين فيأتي الكلام عليه في الكلام على الخط إن شاء الله تعالى. الجملة الثالثة في بيان موضعها من المكتوب ويتعلق به أمران الأمر الأول تقدمها في الكتابة فيجـب تقديمهـا فـي أول الكلـام المقصـود مـن مكاتبـةٍ أو ولايـةٍ أو منشـورٍ إقطـاع أو غيـر ذلـك تبركـاً بالابتـداء بهـا وتيمنـاً بذكرهـا وعمـلاً بالأخبـار والآثـار المتقدمـة فـي الجملـة الأولـى. علـى أنـه قـد اختلـف فـي معنـى قولـه تعالـى حكايـةً عـن بلقيـس حيـن ألقـي إليهـا كتـاب سليمـان عليـه السلـام: " إنـي ألقـي إلـي كتـابٌ كريـمٌ إنـه مـن سليمـان وإنـه بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم ألا تعلو علي وأتوني مسلمين ": فذهب بعض المفسرين إلى أن قوله " إنه من سليمان " من كلام بلقيس وإنها حكت الكتاب بقولها: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخر الآية فيكون ابتداء الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم ويكون ذلك احتجاجاً على وجوب تقديمها. وذهب آخرون إلـى أن قولـه " إنـه مـن سليمـان " بدايـة كتـاب سليمان فيكون سليمان عليه السلام قد بدأ في كتابه باسمه. فإن قيل كيـف سـاغ علـى ذلـك تقديـم اسمـه علـى اسـم اللـه تعالـى فـي الذكـر مـع أن الأنبيـاء عليهـم السلـام أشـد النـاس أدبـاً مـع اللـه تعالـى فالجواب ما قيل: إنه كان عادة ملوك الكفر أنه إذا ورد عليهم كتابٌ بما يكرهون ربما مزقوا أعلاه أو تفلوا فيه فجعل سليمان عليه السلام اسمه تقيةً لاسم الله تعلى فذكره أولاً. ومن هنا اصطلح الكتاب في الكتب الصادرة عن ملوك الإسلام إلى ملوك الكفر بكتابة ألقاب الملك المكتوب عنه في وصل فوق البسملة تأسياً بسليمان عليه السلام. أما ما يكتب في طرة الولايات من العهود والتقاليد وغيرها فإنه في الحقيقة جزء من المكتوب فـلا يوصـف بأنـه شـيء مقـدمٌ علـى البسملـة. وأمـا الطغـراة التـي كانـت توضـع فـي مناشيـر الإقطاعـات فـي وصـلٍ بيـن وصل الطرة والبسملة فيها ألقاب السلطان على ما سيأتي في الكلام على كتابة المناشيـر فـي موضعـه إن شـاء اللـه تعالـى فإنهـا كتابـةٌ أجنبيةٌ مكتوبةٌ بخط غير الكاتب فلم تنسب في الحقيقة إلى التقديم. على أن ذلك قد بطل في زماننا وهاتان المسألتان المتعلقتان بالطغراة المكتوبـة فـي المناشيـر ومكاتبـات أهـل الكفـر مما سأل عنه الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبهـا إلـى كتـاب ديـوان الإنشـاء بالشـام فـي مباشـرة الشيـخ شهـاب الديـن محمـودٍ الحلبـي حيـن بلغـه أن بعضهم وقع فيه. الأمر الثاني إفرادها في الكتابة قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والداوة: ينبغي للكاتب أن يفرد البسملة في سطر وحدهـا تبجيـلاً لاسـم اللـه تعالـى وإعظاماً وتوقيراً له ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى أن يكتب في سطر بسم الله الرحمن الرحيم غيرها " وعلـى هـذه الطريقـة جـرى كتـاب الإنشـاء فـي مكاتبتهـم وسائـر مـا يصـدر عنهـم. أمـا النسـاخ وكتـاب الوثائـق فربمـا كتبـوا بعدهـا فـي سطرهـا الحمـد للـه أو الصلـاة علـى رسـول اللـه صلى الله عليه الطرف الثاني في الحمدلة لما كان الحمد مطلوباً في أوائل الأمور طلبـاً للتيمـن والتبـرك عمـلاً بمـا رواه الـراوون لحديـث البسملـة المتقـدم مـن روايـة أبـي هريـرة رضـي اللـه عنـه أنـه صلى الله عليه وسلم قال: " كل أمرٍ ذي بـالٍ لا يبـدأ فيـه بحمـد اللـه فهـو أجـذم " اصطلـح الكتـاب علـى الابتـداء بـه فـي الكثير مما يكتبونه من المكاتبات والولايات وغيرهما مما له شأنٌ وبالٌ كمكاتبات أكثر الملوك من قانات الشرق وكل ما تضمن نعمةً من المكاتبات ونحو ذلك وكالبيعات والعهود والتقاليد على رأي من يرى افتتاحها بالخطب وغير ذلك مما يأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. بل ربما كرروا الحمد المرات المتعـددة إلـى السبـع فـي الخطبـة الواحـدة علـى مـا سيأتـي ذكـره فـي موضعه إن شاء الله تعالى وأتوا بالحمد لله بعد البسملة تأسياً بكتاب الله تعالى من حيث أن البسملة آيةٌ من الفاتحة كما هو مذهـب الشافعـي رضـي اللـه عنـه أو فاتحـةٌ لهـا وإن لـم تكن منها كما هو مذهب غيره. أما سائر المكاتبات والولايات المفتتحة بغير الحمد فإنما حـذف منهـا الحمـد استصغـاراً لشأنهـا إذ كـان الابتـداء بالحمـد إنمـا يكـون فـي أمـر له بالٌ كما يدل عليه الحديث المتقدم وسيأتي الكلام على كل شـيء مـن ذلـك فـي موضعـه إن شـاء اللـه تعالـى. قـال فـي الصناعتيـن: وإنمـا افتتـح الكلـام بالحمـد لـأن النفوس تتشوف للثناء على الله تعالى. والافتتاح بما تتشوف النفوس إليه مطلوبٌ. وربما أتى الكتاب بالحمد بعد البعدية فكتبوا: أما بعد حمد الله أو أما بعد فالحمد لله فأما الصيغة الأولـى فالحمـد مقـدم فيهـا معنًـى وإن لم يذكر لفظاً لأن قوله أما بعد حمد الله يقتضي تقدم حمد الله وأما الصيغة الثانية فإنها تقتضي تقـدم شـيء علـى الحمـد ولا شـك أن المقـدم هنـا هـو البسملة على ما سيأتي في الكلام على أما بعد فيما بعد إن شاء الله تعالى. ثـم قد يستعمل الحمد بصيغة الفعل كقولهم في المكاتبات: فإني أحمد إليك الله. وقد اختلف فـي أي الصيغتيـن أبلـغ صيغـة الحمد لله أو صيغة أحمد الله فذهب المحققون إلى أن صيغة الحمد لله أبلغ لما فيها من معنى الاستغراق والثبوت والاستمرار على ما هو مقرر في علم المعاني. وذهب ذاهبون إلى أن صيغة أحمد الله أبلغ لأن القائل الحمد لله حاكٍ لكون الحمد لله بخلاف القائل أحمد الله فإنه حامدٌ بنفسه ولذلك يؤتى بالتحميد ثانياً في الخطب بصيغة الفعل. وله في الاستعمال ثلاث صيغ: الصيغة الأولى يحمده أمير المؤمنين فيما إذا كان ذلك صادراً عن الخليفة في مكاتبة أو غيرها. الصيغـة الثانيـة نحمـده إمـا بنـون الجمـع الحقيقية كما إذا كان ذلك صادراً عن. مثل أن يؤتى بذلك في بيعةٍ لخليفةٍ أو نحوها أو بنون الجمع للتعظيم كما إذا كان ذلك صادراً عن الصيغة الثالثة أحمده بلفظ الإفراد كما إذا كان ذلك صادراً عن واحد فقط حيث لا تعظيم له. الطرف الثالث في التشهد في الخطب قد جرت عادة المتأخرين بالإتيان بالتشهـد بعـد التحميـد فـي الخطـب ويكـون تابعـاً لصيغـة التحميد فإن كان قد قيل يحمده أمير المؤمنين قيل بعده: ويشهد وإن كان قد قيل نحمده قيل بعـده: ونشهـد وإن كـان بعـد أمـا بعد حمد الله قيل والشهادة له بالجر عطفاً على حمد. على أن الخطـب الموجـودة في مكاتبات المتقدمين لا تشهد فيها. ومستند المتأخرين في ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وصححه البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل خطبةٍ ليس فيها تشهدٌ فهي كاليد الجذماء ". الطرف الرابع في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه في أوائل الكتب لا نـزاع فـي أن الصلـاة علـى النبـي صلـى اللـه عليه وسلم مطلوبةٌ في الجملة وناهيك في ذلك قوله تعالـى فـي محكـم التنزيـل: وقـد جـاء فـي تفسيـر قولـه تعالـى: فإذا أتي بالحمد في أول كتابٍ ناسب أن يؤتى بالصلاة على النبي صلى الله عليـه وسلـم في أوله إتياناً بذكره بعد ذكر الله تعالى. وقد روي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم قـال: " مـن صلـى علـي فـي كتـابٍ لـم تـزل الصلـاة جاريـةً لـه ما دام اسمي في ذلك الكتاب ". قال الشيخ عماد الدين في تفسيره: إلا أنه ضعيفٌ ضعفه المحدثون. قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة: وقد رأينا بعض الكتاب لا يرى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب فباءوا بأعظم الوزر مع ما فاتهم من الثواب. وأما السلام عليه صلى الله عليه وسلم بعد التصلية فقد قال الشيخ محيي الدين النووي في كتابـه الأذكـار: وإذا صلـى علـى النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم فليجمـع بيـن الصلـاة والتسليـم ولا يقتصـر على أحدهما فلا يقال صلى الله عليه فقط ولا عليه السلام فقط. قال الشيخ عماد الدين بن وأما الصلاة على الآل والصحب بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد نقل الشيخ عمـاد الديـن بـن كثيـر فـي تفسيـره الإجمـاع علـى جـواز الصلاة على غير الأنبياء عليهم السلام بطريق التبعية مثل أن يقال: اللهم صل على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته ونحو ذلـك. ثـم قـال: وعلـى هـذا يخـرج مـا يكتبونـه مـن قولهـم: وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه فـلا نـزاع فيـه وإنمـا الخلـاف فـي جـواز إفـراد غيـر الأنبيـاء عليهـم السلـام بالصلاة: فأجازه قوم محتجين بنحـو قولـه تعالـى: ثم الصحيح من مذهب الشافعي رضي الله عنه أن ذلك لا يجوز في غير التبعية. وحكى النووي في الأذكار فيه قولاً بأنه كراهة تحريم وقولاً بأنه كراهة تنزيه وقولاً بأنه خلاف الأولى ورجح كونه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع. وأما السلام على غير الأنبياء فحكى النووي عن أبي محمدٍ الجويني منعه في الغائب من حي وميت وأنه لا يفرد به غير الأنبياء فلا يقال: عليٌّ عليه السلام بخلاف الحاضر فإنه يخاطب به. إذا علمت ذلك فالصلاة وتوابعها في أوائل الكتب قد تكون بعد التحميد في الخطبة كما في الولايات والمكاتبات المفتتحة بالخطب من البيعات والعهود والتقاليد والتفاويض والتواقيع والمراسيـم وغيرهـا وكمـا فـي الكتـب المفتتحـة بالخطـب. وقـد تكـون فـي صـدور المكاتبات المفتتحة بغيـر الخطـب كمـا كـان يكتـب فـي القديـم فـي صـدور المكاتبـات وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وهو مما أحدثه الرشيد في المكاتبات. قال في ذخيرة الكتاب: وكان ذلك من أجل مناقبه. وكان الخلفاء الفاطميون بمصر يقولون عن لسان الخليفة: ويسأله أن يصلي على جده محمد ويخصون الصلاة بعده بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه على طريقة الشيعة. الطرف الخامس في السلام في أول الكتب إنما جعل السلام في ابتداء الكتب وصدورها لأنه تحية الإسلام المطلوبة لتأليف القلوب فكما أنـه يفتتـح به الكلام طلباً للتأليف كذلك تفتتح به المكاتبات وتصدر طلباً للتأليف إذ يقول صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم! أفشوا السلام بينكـم ". قـال فـي الصناعتين: وتقول في أول كتابك: سلامٌ عليك وفي آخره والسلام عليك والمعنى فيه أن الأول نكرةٌ إذ لم يتقدم له ذكر والثاني معرفةٌ يشار به إلى السلام الأول على حد قوله تعالى: " كما أرسلنـا إلـى فرعـون رسولاً فعصى فرعون الرسول " فأتى في الأول بتنكير الرسول وفي الثاني بتعريفـه. وكذلـك قـول تعالـى فـي سـورة مريـم فـي قصة يحيى عليه السلام: وذلك أن سلام التحية يكـون ابتـداء فيكـون نكـرةً وسلـام الـوداع يكـون انتهـاءً فيكـون معرفـةً لرجوعـه إلـى الـأول. وقـد كـره بعـض العلماء أن يقال في الابتداء: عليك السلام احتجاجاً بما روي عن أبي مكعتٍ الأسدي أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته: متقارب يقول أبـو مكعـتٍ صادقـاً عليك السلـام أبـا القاسـم فقال: يا أبا مكعتٍ عليك السلام تحية الموتى. وجعل ابن حاجب النعمان من ذلك قول عبدة بن الطبيب: طويل عليك سلام الله قيس بن عاصمٍ ورحمته ما شاء أن يترحما قال ابن حاجب النعمان: ويكتب السلام بإسقاط الألف في صدر الكتاب وعجزه. قال أبو جعفر النحاس: وقولهم في أول الكتاب سلامٌ عليك بالرفع ويجوز فيه النصب والاختيار الرفع وإن كـان النحـاة قـد قالـوا: إن ما كان مشتقاً من فعل فالاختيار فيه النصب نحو قولك سقياً لك لـأن معنـى السلـام فـي الرفـع أعـم إذ ليـس يريـد أفعـل فعلاً فيكون المعنى تحيةً عليك بنصب تحية. وقيل: سلامٌ عليك بمعنى سلامٌ لك. وسيأتي الكلام على إتباع السلام الرحمة في الكلام على الخواتم فيما بعد إن شاء الله تعالى. الطرف السادس في أما بعد اعلم أن أما بعد تستعمل في صدور المكاتبات والولايات وربما استعملت في ابتدائها. وهي مركبـة مـن لفظين أحدهما أما والثاني بعد. فأما أما فحرف شرط وبعد ظرف زمان إذا أفرد بنـي علـى الضـم قـال تعالـى: وأجاز هشام أما بعد بفتح الدال ومنعه النحاس وقال: إنه غير معروف. ثم أما تقع في كلام العرب لتوكيد الخبر والفاء لازمةٌ لها لتصل ما بعدها بالحرف الملاصق لما قبلها فتقول أما بعد أطال الله بقاءك! فإني قد نظرت في الأمر الذي ذكرته. ويجوز أما بعد فأطال الله بقاءك إني نظرت في ذلك فتثبت الفاء في أطال وإن كان معترضاً لقربه من أما ويجوز أما بعد فأطال الله بقاءك فإني نظرت ويجوز أما بعد ثم أطال الله بقاءك فإني نظرت حكى ذلك كله النحاس ثم قال: وأجودها الأول وهو اختيار النحويين. قال: وأجود منه أما بعـد فإنـي نظـرت أطـال اللـه بقـاءك. فـإن أضيفت بعد إلى ما بعدها فتحت فتقول أما بعد حمد الله ونحو ذلك. قال في ذخيرة الكتاب وإذا كانت بعد البسملة فمعناه أما بعد قولنا بسم الله الرحمن الرحيم فقد كان كذا وكذا. وقـد اختلـف فـي أول مـن قـال أما بعد: فقيل داود عليه السلام وبه فسر فصل الخطاب في قوله تعالـى: قال سيبويه: ومعناه مهما يكن من شيء.
وفيه سبعة أطراف الطرف الأول في الاستثناء بالمشيئة بأن يكتب إن شاء الله تعالى وفيه جملتان الجملة الأولى في الحث على كتابة إن شاء الله تعالى اعلم أنه يستحب للكاتب عند انتهاء ما يكتبه من مكاتبةٍ أو ولاية أو غيرهما أن يكتـب إن شـاء الله تعالى تبركاً ورغبةً في نجاح مقصد الكتاب فقد ورد الحث على التعليق بمشيئة الله تعالى والندب إليه قال تعالى: وذم قوماً على ترك الاستثناء فقال: قـال أصحـاب السيـر: كان باليمن رجلٌ له جنةٌ يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي وكان يترك للمساكين ما أخطأ المنجل من الزرع أو القطاف من العنب والنخل وما بقي على البسـاط الـذي يبسـط تحـت النخلـة فلمـا مات شح بنوه على المساكين بما كان يتركه أبوهم وحلفوا على قطعها في الغلس كيلا يدركهـم الفقـراء فأصابتهـا نـارٌ فـي الليـل فاحترقـت وأصبحـت كالصريم يعني الليـل المظلـم. قـال المفسـرون: والمـراد بقولـه: قال الزمخشري: وسمي استثناءً وإن كان بمعنى الشرط لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء من حيث أن معنى قولك لأخرجن إن شاء الله ولا أخرج إلا أن شاء الله واحدٌ. واعلم أن الاستثناء لا يدخل على ماضٍ فلا يقال: ما فعلت ذلك إن شاء الله وإنمـا يدخـل على مستقبل فتقول لا أفعل ذلك إن شاء الله على حد قوله تعالى: أما ما ورد من ذلك بلفظ المضي مثل قول القائل لزوجته أنت طالقٌ إن شاء الله فإنه وإن لم يكن مستقبلاً لفظاً فإنه مستقبلٌ معنًى إذ معناه الإنشاء وإلا لمـا وقـع بـه الطلـاق. إذا علمـت ذلـك فلفـظ إن شـاء الله تعالى في آخر المكاتبة أو الولاية ونحوهما يكون معلقاً بآخر المكتوب مما يناسب ذلك. كتعلقها بالتأييد من قوله والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى ونحو ذلك. الجملة الثانية في محل كتابتها وصورة وضعها في الدرج لا نزاع في أنها أول خاتمةٍ تكتب من خواتم المكتوب فمحلها من الدرج أسفل المكتوب في وسـط الوصـل مكتنفـة ببيـاض عن يمينها وشمالها وبينها وبين السطر الآخر من المكتوب كما بين سطرين أو دونه. وقد جرت عادة الكتاب في كتابتها بأنها إن كانت بقلم الرقاع كما في القطع الصغير كتبت معلقة مسلسلة على هذه الصورة الله تعالى أو ما قاربها وإن كانت بقلمٍ جليل كالثلث ونحوه كتبت واضحة مبينة والغالب فيها أن تكون على هذه الصورة إن شاء الله تعالى. قال جمال الديـن بـن شيـثٍ فـي معالـم الكتابـة: ولا يضيـف الكاتـب إليهـا شيئـاً فـي سطرهـا بـل تكـون مفـردةً فـي الطرف الثاني في التاريخ وفيه تسع جمل الجملة الأولى في معناه وقد اختلف في أصل لفظه فذهب قومٌ إلى أنه عربي وأن معناه نهاية الشيء وآخـره يقـال فلانٌ تاريخ قومه إذا انتهى إليه شرفهم وعليه يدل كلـام صاحـب مـواد البيـان وابـن حاجـب النعمـان فـي ذخيـرة الكتـاب ونقـل الشيـخ عـلاء الدين بن الشاطر في زيجه عن بعض أهل اللغة أن معناه التأخير فيكون مقلوباً منه. وذهب آخرون إلى أنه فارسي وأن أصله ماه زور فعرب مورخ ثم جعل اسمه التاريخ وإليه يرجع كلام السلطان عماد الدين صاحب حماة رحمه الله في تاريخه ويقال منه أرخت ورخت بالهمزة والواو لغتان ولذلك قالـوا فـي مصـدره تأريـخ وتوريـخ كما يقال تأكيد وتوكيد. قال في ذخيرة الكتاب: أرخت لغة قيس ورخت لغة تميم. قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: ولا تكاد ورخت تستعمل اليوم وكأن الكتاب كانوا قـد رفضـوا هـذه اللغـة فـي زمانـه وإلا فهـي لغـةٌ مستعملـةٌ إلـى الـآن إلا أنهـا لمـا غلبت في ألسنة العوام ابتذلت. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان في شرح التسهيل: والتاريخ هو عدد الليالي والأيام بالنظر إلى ما مضى من السنة أو الشهر وإلى ما تبقى منهما قال في مواد البيان: وهو محقق للخبر دال على قرب عهد الكتاب وبعده. الجملة الثانية في وجه الاحتياج إليه قـال محمـد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة: أجمعت العلماء والحكماء والأدباء والكتاب والحسـاب علـى كتابـة التاريـخ في جميع المكتتبات. قال صاحب نهاية الأرب: ولا غنية عنه لأن التاريـخ يستـدل بـه علـى بعـد مسافـة الكتـاب وقربهـا وتحقيـق الأخبـار علـى ما هي عليه. وقد قال بعـض أئمـة الحديـث: لمـا استعملـوا الكـذب استعملنا لهم التاريخ. وقد اصطلح الكتاب على أنهم يؤرخون المكاتبات والولايات ونحوها مما يصدر عن الملوك والنـواب والأمـراء والـوزراء وقضـاة القضاة ومن ضاهاهم بخلاف المكاتبات الصادرة عن آحاد الناس فإنه لم تجر العادة فيها بكتابة تاريخٍ. الجملة الثالثة قـال القضاعـي فـي عيـون المعـارف فـي تاريـخ الخلائـف: كانت الأمم السالفة تؤرخ بالحوادث العظام وبملك الملوك فكان التاريخ بهبوط آدم عليه السلام ثم بمبعث نوح ثم بالطوفان ثم بنار إبراهيم عليه السلام. ثم تفرق بنو أبراهيم فأرخ بنو إسحاق بنار إبراهيم إلى يوسف ومن يوسف إلى مبعـث موسـى عليـه السلـام ومن موسى إلى ملك سليمان عليه السلام. ثم بما كان من الكوائن. ومنهم من أرخ بوفاة يعقوب عليه السلام ثم بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ثم بخراب بيت المقدس. وأما بنو إسماعيل فأرحوا ببناء الكعبة ولم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقت بنو معد وكان كلما خرج قومٌ من تهامة أرخوا بخروجهم. ثم أرخوا بيوم الفجار ثم بعام الفيل. وكان بنو معد بن عدنان يؤرخون بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إياهم من الحرم. ثم أرخوا بأيام الحروب: كحرب بني وائلٍ وحرب البسوس وحرب داحس. وكانت حمير وكهلان يؤرخون بملوكهم التبايعة وبنار ضـرارٍ وهـي نـارٌ ظهـرت ببعـض خـراب اليمن وبسيل العرم ثم أرخوا بظهور الحبشة على اليمن. وأما اليونان والروم فكانوا يؤرخون بملك بختنصر ثم أرخوا بملك دقلطيانوس القبطي وأما الفرس فكانوا يؤرخون بآدم عليه السلام ثم أرخوا بقتل دارا وظهور الإسكندر عليه ثم بملك يزدجرد. والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه في دائرة اتصال التواريخ القديمة بالهجرة عشرون تاريخاً ذكر ما بينها وبين الهجرة من السنين إلا أنه لم يراع الترتيب في بعضها وأهمل منها تاريخ يزدجرد لوقوعه بعد الهجرة. وبالجملة فالتواريخ على قسمين: القسم الأول ما قبل الهجرة وقد أوردت منه تسعة عشر تاريخاً الـأول مـن هبـوط آدم عليـه السلـام. وقد اختلف فيما بينه وبين الهجرة اختلافاً فاحشاً فمقتضى ما في التوراة اليونانية على اختيار المؤرخين أن بينهما ستة آلاف سنةٍ ومائتين وست عشرة سنة وعلى اختيار المنجمين أن بينهما خمسة آلافٍ وسبعمائة وتسعاً وستين سنة. ومقتضـى ما في التوراة السامرية على اختيار المؤرخين خمسة آلاف ومائةٌ وسبعٌ وثلاثون سنة وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك. ومقتضـى مـا فـي التوراة العبرانية على اختيار المؤرخين أن بينهما أربعة آلافٍ وسبعمائةٍ وإحدى الثانـي من الطوفان. وبينه وبين الهجرة ثلاثة آلافٍ وتسعمائة وأربعٌ وتسعون سنة على اختيار المؤرخين وعلى اختيار المنجمين ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسٌ وعشرون سنة وثلثمائة وستة أيام. الثالث من تبلبل الألسن. وبينة وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ثلاثة آلافٍ وثلثمائةٍ وأربعٌ وستون سنة وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعاً وأربعين سنةً. الرابع من مولد إبراهيم عليه السلام. وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ألفان وثمانمائةٍ وثلاثٌ وتسعون سنة وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعاً وأربعين سنةً. الخامس من بناء إبراهيم الكعبة. وبينه وبين الهجرة ألفان وسبعمائة وثلاث وسبعون سنة. السادس من وفاة موسى عليه السلام. وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ألفان وثلثمائةٍ وثمانٌ وأربعون سنة. السابع من عمارة سليمان عليه السلام بيت المقدس. وبينه وبين الهجرة ألفٌ وثمانمائة وستون سنة. الثامن من ابتداء ملك بختنصر. وبينه وبين الهجرة ألفٌ وثلثمائة وتسعٌ وستون سنة. قال صاحب حماة: بلا خلاف. العاشـر مـن ملـك فيلبـس أبي الإسكندر وبينه وبين الهجرة تسعمائة وخمس وأربعون سنةً ومائةٌ وسبعة عشر يوماً. الحـادي عشر من غلبة الإسكندر على ملك فارس وقتل دارا ملك الفرس. وبينه وبين الهجرة تسعمائةٍ واثنتان وثلاثون سنة ومائتان وتسعون يوماً. الثاني عشر من مولد المسيح عليه السلام. وبينه وبين الهجرة ستمائةٍ وإحدى وثلاثون سنةً. الثالث عشر من ملك أرديالونص وبينه وبين الهجرة خمسمائة وتسعٌ وستون سنةً. الرابـع عشـر مـن ملك أردشير أول ملوك الأكاسرة من الفرس. وبينه وبين الهجرة أربعمائةٍ واثنتان وعشرون سنةً. الخامس عشر من خراب بيت المقدس المرة الثانية وبينه وبين الهجرة ثلثمائة وستٌّ وأربعون سنة. السادس عشر من ملك دقلطيانوس آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم على القبط. وبينه وبين الهجرة ثلثمائة وسبعٌ وثلاثون سنة وأحدٌ وعشرون يوماً. السابـع عشـر مـن غلبـة أغشطـش ملـك الـروم علـى قلوبطـرا ملكة اليونان ومصر. وبينه وبين الهجرة مائتان وخمسون سنةً ومائتان وستة وأربعون يوماً. الثامن عشر من عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وبينه وبين الهجرة ثلاثٌ وخمسون سنةً وشهران وثمانية أيام. التاسع عشر من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وبينه وبين الهجرة ثلاث عشرة سنةً وشهران وثمانية أيام. القسم الثاني ما بعد الهجرة وفيه تاريخٌ واحد وهو من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وكان بعد الهجرة بعشر سنين وثمانية وسبعين يوماً. الجملة الرابعة في أصل وضع التاريخ الإسلامي وبنائه على الهجرة دون غيرها وقـد اختلـف فـي أصـل ذلك فحكى أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب عن محمد بن جرير أنـه روى بسنـده إلـى ابـن شهـاب أن النبـي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وقدمها في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ. وعلى هذا فيكون ابتداء التاريخ في عام الهجرة. قال النحاس: والمعروف عند العلماء أن ابتداء التاريخ بالهجرة كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم اختلف في السبب الموجب لذلك فذكر النحاس أن السبب فيه أن عامل عمر بن الخطاب رضـي اللـه عنـه باليمن قدم عليه فقال: أما تؤرخون كتبكم فاتخذوا التاريخ. ووافقه على ذلك صاحب مواد البيان. وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن السبب فيه أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتبٌ لا ندري على أيها نعمل قد قرأنا كتاباً منها محله شعبان فما ندري في أي الشعبانين ألماضي أو الآتي فأحدث عمر التاريخ. وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب. وذكر صاحـب حمـاة فـي تاريخـه أنـه رفـع إلى عمر رضي الله عنه صكٌّ محله شعبان فقال: أي شعبان لا نـدري الذي نحن فيه أم الذي هو آتٍ ثم جمع وجوه الصحابة وقال: إن الأموال قد كثرت وما قسمنـاه منهـا غيـر مؤقت فكيف التوصل إلى ما يضبط به ذلك فقالوا: يجب أن نعرف ذلك من أمور الفرس فاستحضر الهرمزان وسأله فقال: إن لنا حساباً نسميه ماه زور ومعناه حسـاب الشهور والأيام فعمل عمر التاريخ. في بيان صورة ابتدائهم وضع التاريخ من الهجرة قال في ذخيرة الكتاب: لما أراد عمر التأريخ جمع الناس للمشورة فقال بعضهم: نؤرخ بمبعث النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم وقـال بعضهـم: بـل بوفاتـه وقـال بعضهـم: بـل بهجرتـه مـن مكـة إلـى المدينـة لأنهـا أول ظهـور الإسلـام وقوتـه. فصوبـه عمـر واجتمـع رأيـه عليـه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ولد في عام الفيل المقدم ذكـره فـي التواريـخ القديمـة. قـال فـي ذخيـرة الكتـاب: وكـان وقـوع ذلـك فـي اليوم الثانـي عشـر مـن شبـاط سنـة ثمانمائـةٍ واثنتيـن وثمانيـن لـذي القرنيـن. وبعـث النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم علـى رأس أربعيـن سنـةً مـن ولادتـه وأقـام بمكـة بعـد النبـوة عشر سنين ثم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول بعد عشرٍ من النبوة وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلةً منه. ثم بعد اتفاقهم على التأريخ من الهجرة اختلفوا في الشهر الذي تقع البداءة به فأشار بعضهم بالبداءة برمضان لشرفه وعظمه فقال عمر بل بالمحرم لأنه منصرف الناس من حجهم فرجعوا القهقـري ثمانيـةً وستيـن يوماً وهي القدر الذي مضى من أول المحرم إلى ذلك الوقت واستقر تاريخ الإسلام من الهجرة. قلت: واستقرت تواريخ الأمم على أربعة تواريخ ابتداء بعضها مقدمٌ على ابتداء بعضٍ. أولها غلبة الإسكندر على الفرس. وعليه تاريخ السريان والروم إلى زماننا. والثاني ملك دقلطيانوس ملك الروم على القبط. وعليه تاريخ القبط إلى زماننا. والثالث الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وعليها مدار التاريخ الإسلامي. والرابـع هلـاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وبه تؤرخ الفرس إلى زماننا وقد تقم بيان بعد ما بين تاريخ كل من غلبة الإسكندر وملك دقلطيانوس وبين الهجرة في القبلية وبعد ما بين تاريخ يزدجـرد وبيـن الهجـرة فـي البعديـة فـي الكلـام علـى أصـول التواريـخ مـع مـا سبـق فـي المقالة الأولى في بيان ما يحتاج إليه الكاتبٌ من ذكر مقدار سنة كل منها وعددها من الأيام وسيأتي الكلام على استخراج بعضها من بعضٍ فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة السادسة في كيفية تقييد التاريخ في الكتابة بزمنٍ معينٍ وهو ضربان الضرب الأول ومداره الليالي دون الأيام لأن سني العرب قمريةٌ والقمر أول ما يظهر للأبصار هلالاً في الليل فتكون الليالي بهذا الاعتبار سابقةً للأيام إذ اليوم عندهم عبارةٌ عن النهار وهو إما من طلوع الفجـر علـى مـا ورد به الشرع في الصوم ونحوه وإما من طلوع الشمس على رأي المنجمين. قال أبـو إسحـاق الزجاجـي فـي كتابه الجمل: وإنما حمل على الليالي دون الأيام لأن أول الشهر ليله فلو حمـل علـى الأيـام سقطـت منـه ليلـةٌ. قـال الشيـخ أثيـر الديـن أبو حيان في شرح التسهيل: واستغني بالليالي عن الأيام للعلم أن مع كل ليلة يوماً فإذا مضى عددٌ من الليالي مضى مثله من الأيام فيجـوز أن يستغنـي بذكـر أحدهمـا عـن الآخر. وقد ذكر جمال الدين عبد الرحيم بن شيثٍ في كتابه معالم الكتابة أن كتب السلطان والأعيان تؤرخ بالليالي والكتب من الأدنى إلى الأعلى تؤرخ بالأيام. ولم أعلم من أين أخذ ذلك ولا ما مستنده فيه. إذا علم ذلك فلكتابة التاريخ ثلاثة اعتبارات: الاعتبار الأول أن يؤرخ ببعض ليالي الشهر وله ست حالات الحالة الأولى أن تقع الكتابة في الليلة الأولى من الشهر أو في اليوم الأول منه فـإن كانـت الكتابـة فـي الليلـة الأولـى منـه فقـد ذكـر أبـو جعفـر النحـاس فـي صناعـة الكتاب أنه يكتب كتب غرةً شهر كـذا أو أول ليلـةٍ مـن كـذا أو مستهـل شهـر كـذا أو مهـل شهـر كـذا. وحكـى الشيخ أثير الدين أبو حيان مثل ذلك عن بعضهم وزاد أنه يكتب أيضاً كتب أول شهر كذا. قـال النحـاس: لا يجـوز حينئـذ لليلـةٍ خلـت ولا مضـت لأنهـم فـي الليلـة بعـد. قـال فـي ذخيـرة الكتاب: وربما كتب بعض الكتاب ليلة الاستنهلال لليلةٍ تخلو. وإن كانت الكتابة في اليوم الأول وهو النهار الذي يلي الليلة الأولى من الشهر كتب لليلةٍ خلت أو مضت من شهر كذا. قال النحاس: ويجوز كتب لغرة الشهر أو لأول يوم من الشهر ومنع أن يقال حينئذ: أول ليلة من شهر كذا أو مستهل شهر كذا أو مهمل شهر كذا موجهاً لذلك بأن الاستهلـال إنمـا يقـع فـي الليـل. وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب وصاحب مـواد البيـان وبـه جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في ورقاته في الوراقة. وكلام ابن مالك في التسهيل يوهم جواز ذلك فإنه قد قال: فيقال أول الشهر كتب لأول ليلة منه أو لغرته أو مهله أو مستهله. وأول الشهر أعم من اليوم والليلة بل هو إلى الليلة أقرب لأن الليلة سابقةٌ بالأولية. قال الشيخ أثير الدين: ومفتتح الشهر أول يوم منه. ومقتضى كلامه أنه يؤرخ بالمفتتح في اليوم الأول من الشهر دون الليلة وفيه نظر بل الظاهر جواز استعماله فيهما بل الليلة بالمفتتح أولى لسبقهـا اليـوم كمـا تقدم أللهم إلا أن يراعى فيه موافقة المفتتح لليوم في التذكير دون الليلة لتأنيثها. قال في مواد البيان: والعرب تسمي أول ليلة من الشهر النحيرة ولكن لا تستعمله الكتاب في التواريخ. الحالة الثانيةأن تقع الكتابة فيما بعد مضي اليوم الأول من الشهر إلى آخر العشر فإن كان قد مضى منه ليلتان كتب لليلتين خلتا من شهر كذا أو لليلتين مضتا من قال في ذخيـرة الكتـاب: ولا يكتـب ليـوم خـلا ولا ليوميـن خلوا لأن ذكر الليالي في باب التأريخ أغلب كما تقول ليلة السبت وليلة الأحد فتضيف الليلة إلى اليوم لأنها أسبق ولا تضيف اليوم إلى الليلة. وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيان أنه إذا مضى من الشهر يوم كتب ليومٍ مضى وإذا مضى يومان كتب ليومين مضيا. والتحقيق في ذلك أنه يختلف الحال فيه باختلاف الكتابة في الليل والنهـار فـإن كتب في الليلة الثانية ناسب أن يكتب ليوم خلا من شهر كذا لأنه إن كتب لليلتين خلتا فهـو فـي الليلـة الثانيـة بعـد وإن كتـب لليلـةٍ خلـت لـم يظهـر الفـرق بينـه وبيـن الكتابـة فـي اليـوم الـأول من الشهر. وإن كتب في اليوم الثاني من الشهر ناسب أن يكتب لليلتين خلتا أو مضتا. وإن كان قد مضى من الشهر ثلاث ليالٍ كتب لثلاثٍ خلون أو مضين من شهر كذا أو لثلاثٍ ليالٍ خلون أو مضين. ويجوز فيه لثلاثٍ خلت أو لثلاث ليالٍ خلت على قلة وكذا في الباقي إلى العشر فتقول: لعشرٍ خلون أو مضين أو لعشر ليالٍ خلون أو مضين أو لعشرٍ أو لعشر ليالٍ خلت الحالة الثالثة أن تقع الكتابة فيما بعد العشر إلى النصف فيكتب لإحدى عشرة خلت أو مضت من شهر كذا. أو لإحدى عشرة ليلةً خلت أو مضت ويجوز فيه لإحدى عشرة خلون أو لإحدى عشرة ليلةً خلون على قلة. وكذا في الباقي إلى النصـف مـن الشهـر. قـال الشيـخ أثيـر الديـن أبـو حيـان: فـإن صـرح بالمميز وكان مذكراً أعيد الضمير عليه فقال: لأحد عشر يوماً خلا أو مضى ونحو ذلك. الحالة الرابعة أن تقع الكتابة في الخامس عشر من الشهر فيكتب: كتب لنصف شهر كذا. قال النحاس: وأجازوا لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت. وكلام ابن مالك في التسهيل يشير إلى جواز لخمس عشرة ليلةً خلت أو مضت أو بقيت على رأي من يجوز التاريخ بالباقي. ولو حذف ذكر الليلة فقال: لخمس عشرة خلت أو مضت أو بقيت صح. قال في التسهيل والتاريخ بالنصف أجود. الحالة الخامسة أن تقع الكتابة فيما بعد النصف من الشهر إلى الليلة الأخيرة منه وفيه لأهل الصناعة مذهبان: المذهب الأول أن يؤرخ بالماضي من الشهر كما في قبل النصف فيقال: لست عشرة خلت أو مضت أو لسـت عشـرة ليلـةً خلـت أو مضـت. وكـذا إلـى العشريـن فيقـال: لعشريـن خلـت أو مضت أو لعشرين ليلة خلت أو مضت وكذا في البواقي إلى آخر التاسـع والعشريـن فيكـون التاريـخ فـي جميـع الشهـر من أوله إلى آخره بالماضي دون الباقي فراراً من المجهول إلى المحقق وهو مذهب الفقهاء لأنه لا يعرف هل الشهر تامٌّ أو ناقصٌ. قال النحاس: ورأيت علي بن سليمان يختـاره. قـال فـي ذخيـرة الكتـاب: وهـو أثبـت وحجته أقوى. ثم لاشك أن من يرى التاريخ باليوم يجوز لستة عشر خلا أو مضى من شهر كذا وكذا فيما بعده. المذهب الثاني أن يؤرخ بما بقي من الشهر. وللمؤرخين فيه طريقان: الطريق الأول أن يجزم بالتاريخ بالباقي فيكتب لأربع عشرة ليلةً بقيت من شهر كذا ثم لثلاث عشـرة ليلـةً بقيـت وهكـذا إلـى الليلـة الأخيـرة مـن الشهـر فيكتـب لليلـةٍ بقيـت وهـو مذهـب الكتـاب. قـال النحـاس: ورأيـت بعـض العلمـاء وأهل النظر يصوبونه لأنهم إنما يكتبون ذلك على أن الشهـر تامٌّ وقد عرف معناه وأن كاتبه وقارئه إنما يريد إذا كان الشهر تاماً فلا يحتاج إلى التلفظ بـه. قـال محمـد بـن عمـر المدائنـي: واحتجـوا لذلـك بـأن معاويـة بـن أبـي سفيان رضي الله عنه حين كتـب عـن النبـي صلـى الله عليه وسلم لابن الحضرمي كتب في آخر الكتاب: وكتب معاوية بن أبي سفيان لثلاث ليالٍ بقين من ذي القعدة بعد فتح مكة سنة ثمانٍ ثم قرأه عثمان بن عفان رضـي اللـه عنـه والناس حوله. قال النحاس: وقد وقع مثل ذلك في كلام النبوة. فقد ورد في الحديـث أن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم قـال فـي ليلـة القدر: التمسوها في العشر الأواخر لسابعةٍ تبقـى أو لخامسـةٍ تبقـى. وهـذا الحديـث الـذي استشهـد بـه النحـاس ثابـتٌ فـي الصحيـح فـلا نـزاع فـي العمل به. الطريق الثاني أن يعلق التاريخ بالباقـي علـى شـرط فيكتـب لأربـع عشـرة إن بقيـت أو لأربـع عشرة ليلة إن بقيت وعلى ذلك في الباقي فراراً من إطلاقا التاريخ بما لا يعلم تمامه أو نقصه وتعليقاً له على حكم التمام وكأنه يقول: لأربع عشرة ليلةً بقيت من الشهر إن كان تماماً. ومن يرى التاريخ بالأيام يجوز لأربعة عشر يوماً من شهر كذا وكذا في الجميع. الحالة السادسة أن تقع الكتابة في الليلة الأخيرة من الشهر أو في اليوم الأخير منه فإن كان في الليلة الأخيرة منه كتب لآخر ليلةٍ من شهر كذا أو في سلخ شهر كذا أو في انسلاخـه. وإن كـان فـي اليوم الآخر منه كتب لآخر يومٍ من شهر كذا أو في سلخه أو انسلاخه أيضاً. ولم يختلفوا هنا في جواز التاريخ باليوم. قال ابن حاجب النعمان: وذلك أن الشهر يبتديء بابتداء الليالي وينقضي بانقضاء النهار. وذكر صاحب مواد البيان أن الذي كان كتاب مصر يستعملونه بالديار المصرية أن يجعل شهرٌ ثلاثين يوماً وشهرٌ تسعةً وعشرين وهذا جنوح قلـت: وكتـاب زماننـا قـد أهملـوا النظـر فـي ذلـك جملـةً وعولـوا على التاريخ بالأيام واقفين عند حد اليوم الذي ينتهـي إليـه العـدد مـن الشهـر عنـد الكتابـة فيكتبـون فـي اليـوم الـأول: كتـب فـي مستهـل شهـر كـذا ثـم فـي ثانـي شهـر كـذا أو ثالثـه إلـى العشـر ثـم في حادي عشره وثاني عشره إلى العشرين ثم في العشرين من شهر كذا أو الحادي والعشرين والثاني والعشرين إلى التاسع والعشرين. وفي اليوم الأخير من الشهر يكتبون في سلخ شهر كذا لا يعرفون غير ذلك. ثـم ممـا يستحسـن فـي التاريخ أنه إذا وقعت الكتابة في يوم مشهور كأيام المواسم أرخ به مع قطع النظـر عـن عـدد مـا مضـى مـن الشهـر أو بقـي منـه. فيكتـب في اليوم الأول من شوال كتب في يوم عيد الفطـر وفـي تاسـع ذي الحجـة كتـب فـي يـوم عرفـة وفـي عاشـره كتـب فـي يـوم عيـد النحـر أو فـي يوم عيد الأضحى وفي حادي عشره كتب في يوم القر بفتح القاف سمي بذلك لأن الناس يستقـرون فيـه بمنًـى وفـي ثانـي عشـره كتـب فـي يـوم النفـر الـأول لـأن الحجيـج ينفـرون فيـه مـن منًـى وفـي ثالث عشره كتب في يوم النفر الثاني. الاعتبار الثاني أن يؤرخ بجملة من أيام الشهر فإن أرخ بعشر من الشهر بناه على التأنيث فيكتب كتب في العشر الأولى أو في العشر الأول بضـم الهمـزة وفتـح الـواو جمـع أوله. أو كتب في العشر الوسطى أو في العشر الوسط بضم الواو وفتـح السيـن جمـع وسطـى أو كتـب فـي العشـر الأخـرى أو فـي العشـر الأخـر بضم الهمزة وفتح الخاء جمـع آخـرةٍ. قـال الشيـخ أثيـر الديـن أبـو حيـان: ولا يكتـب العشـر الأول ولا الأوسط ولا الآخر. وقال بعض النحويين: يكتب وكتب في العشر الآخرة أو الأواخر ولا يكتب الأخرى ولا الأخر لئلا يلتبس بالآخر بمعنى الثاني أو الأخر بمعنى الثواني. وقد تقدم في الكلام على أيام الشهر أن العرب تسمي ليالي الشهر كل ثلاث منها باسمٍ وقد تقدم ذكر أسمائها هناك. فإذا وقعـت الكتابة في ثلاثٍ منها كالغرر وهي الثلاث الأولى مـن الشهـر والـدآدي وهـي الثلـاث الأخيـرة منه كان للكاتب أن يؤرخ بها كما يؤرخ بعشر من الأعشار الثلاث بـل الثلـاث أقـرب لمعرفـة التاريخ في العشر. وقد أشار إلى ذلك الشيخ أثير الدين في شرح التسهيل فقال: وإن أرخ بالثلاث الأخيرة مـن الشهـر كتـب الـدآدي. وإذا كـان فـي السنـة أيـام مشهـورةٌ أرخ بهـا كالأيـام المعلومـات وهـي العشـر الـأول مـن ذي الحجـة والأيـام المعـدودات وهـي أيـام التشريـق علـى مـا تقدم ذكره في موضعه كان للكاتب أن يؤرخ بها. الاعتبار الثالث أن يؤرخ بأجزاء اليوم أو الليلة وأكثـر مـا يحتـاج الكاتـب إلـى ذلـك فـي تاريـخ بطائـق الحمام وقد سبق في الكلام على الأيام أن كل واحدٍ من الليل والنهار اثنتا عشرة ساعةً زمانية تطول بطول أحدهما وتقصر بقصره ولكل ساعـةٍ منهـا اسـم يخصهـا كالشـروق وهـو أول ساعـات النهار والغروب وهو آخر ساعاته والشفق وهو أول ساعات الليل والصباح وهو آخر ساعاته. فينبغي للكاتب إذا كتب بطاقةً من بطائق الحمام أن يكتب الساعة التي كتبت فيها من ساعات الليل أما ساعات الليل فلا يتأت فيها ذلك لأن الحمام لا يسرح في الليل اللهم إلا أن تدعو الضرورة إلى التاريخ بساعةٍ من ساعات الليل في بعض المكاتبات فيؤرخ بها. قلت: وهذا الترتيب قد تركه كتـاب زماننـا وصـاروا يؤرخـون بالساعـات المشهـورة عندهـم كالأولى من النهار أو الثانية أو وقت الظهر أو وقت العصر ونحو ذلك. الضرب الثاني التاريخ العجمي ومداره الأيـام دون الليالـي لـأن سنتهـم مـع اختلافهـا فـي الشهـور ومبادئهـا ومقاطعهـا شمسيـةٌ والشمـس محـل ظهورهـا النهـار دون الليل فلذلك أرخوا بالأيام. قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل: قال أحمد بن يحيى البلاذري: حضرت مجلس المتوكل وإبراهيم بن العباس يقرأ الكتاب الذي أنشأه في تأخير النوروز والمتوكل يتعجب من حسن عبارته ولطـف معانيـه والجماعـة تشهد له بذلك فدخلتني نفاسةٌ فقلت: يا أمير المؤمنين في هذا الكتـاب خطـأ! فأعـادوا النظر وقالوا: ما نراه فما هو قلت: أرخ السنة الفارسية بالليالي والعجم تؤرخ بالأيام واليوم عندهم أربعٌ وعشرون ساعةً تشتمل على الليل والنهار وهو جزء من ثلاثين جزءاً من الشهر والعرب تؤرخ بالليالي لأن سنيهم وشهورهم قمرية وابتداء الهلال بالليل قال: فشهدوا بصحة ما قلته واعترف به إبراهيم. وقال: ليس هذا من علمي. قلـت: وأكثـر مـا يحتـاج إلـى ذلـك فـي تحويـل السنيـن ونقـل النيـروز عند دوران السنين كما في كتاب إبراهيـم بـن العبـاس المقـدم ذكـره وكذلـك فـي كتابـة الهـدن فسيأتي أنه يجمع فيها بين التاريخ العربي والعجمي جميعاً ويجب فيه تقديم العربي على العجمي مثل أن يكتب كتب لعشرٍ خلون من المحرم سنة ثمانمائةٍ موافقاً للعاشر من توت من شهور القبط أو العاشر من تشرين الأولى من شهـور السريـان أو العاشـر مـن ينيـر مـن شهـور الـروم أو العاشـر مـن أفروديـن مـاه مـن شهـور الفرس ونحو ذلك. الجملة السابعة في تقييد التاريخ بالسنة قد علمت أن فائدة التاريخ إنما تتحقق بذكر السنة بعد اليوم والشهـر وإلا فـلا يعلـم مـن أي السنيـن. فـإذا كتـب يـوم كـذا من شهر كذا كتب بعد ذلك سنة كذا سواءٌ كان التاريخ عربياً أو عجمياً أو مركباً منهما مثل أن يكتب سنة كذا من الهجرة الموافق لكذا مـن سنـي الـروم أو سني الفرس. ثم للكاتب في كتابة تاريخ السنة مصطلحان. المصطلح الأول أن يكتب سنة كذا فيحتاج إلى حذف الهاء من العدد على قاعدة حذفها من عدد المؤنث مثل أن يكتب سنة ست وثمانمائةٍ ونحو ذلك وعلى هذا اصطلح كتاب الديار المصرية وبلاد المشرق. المصطلح الثانـي أن يكتـب عـام كـذا فيحتـاج إلـى إثبـات الهـاء فـي العـدد علـى قاعـدة إثباتهـا فـي عـدد المذكر مثل أن يكتب عام ستةٍ وثمانمائةٍ وعلى نحو ذلك يجري كتاب الغرب غالباً لما يقال: إن العـام يختـص بالخصـب والسنـة تختـص بالمحـل علـى مـا تقـدم ذكره في الكلام على السنين فيما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى. الجملة الثامنة في معرفة بعض التواريخ من بعض قـد ذكـر فـي مـواد البيـان أن مـن جملـة أدب الكاتـب العلـم بتواريـخ سنـي العالـم واستخـراج بعضها من بعـض فـي كـل وقـتٍ مـن أوقـات اليـوم الـذي هـو فيـه مـن كـل شهـرٍ وسنـة من سني الأمم. وقد تقدم أيضاً أن المستعمل من التواريخ في زماننا بين الأمم أربعة تواريخ بعضها أقدم من بعض. أولها تاريخ غلبة الإسكندر وهو التاريخ الذي تؤرخ به السريـان والـروم والفرنجـة ومـن فـي معناهم إلى الآن وهو بعد الطوفان فيما حرره الشيخ علاء الدين بن الشاطر في زيجه بثلاثة آلافٍ وسبعمائة وخمس وثلاثين سنةً وثلثمائةٍ وعشرين يوماً. الثاني التاريخ من ملك دقلطيانوس وهو الذي يؤرخ به القبط إلى الآن وربما عبروا عنه بتاريخ الشهـداء إشـارة إلـى تسميتهـم الذيـن قتلهـم دقلطيانـوس مـن القبـط شهـداء وهو بعد غلبة الإسكندر بخمسمائةٍ وأربع وتسعين سنة وثلثمائة واثنين وثلاثين يوماً. الثالث التاريخ من الهجرة وعليه تاريخ الإسلام وهـي بعـد ملـك دقلطيانـوس بثلثمائـة وسـت وثلاثين سنة وثلثمائة وأحدٍ وعشرين يوماً. الرابـع التاريـخ مـن هلـاك يزدجـرد آخـر ملوك الفرس. وقد تقدم أنه بعد الهجرة بعشر سنين وثمانيةٍ وسبعين يوماً. فأما التاريخ السرياني والرومي وهـو الـذي مبـدأه مـن غلبـة الإسكنـدر فقـد تقـدم أن شهـور السريانيين اثنا عشر شهراً وهي: تشرين الأول تشرين الثاني كانون الأول كانون الثاني شباط أذار نيسان أيار حزيران تموز آب أيلول. منها سبعة أشهر كل شهر منها أحدٌ وثلاثون يوماً وهي تشرين الأول وكانون الأول وكانون الثاني وأذار وأيار وتموز وآبٌ وأربعة أشهر كل شهر منها ثلاثون يوماً وهي: تشرين الثاني ونيسان وحزيران وأيلول. ومنها واحدٌ ثمانية وعشرون يوماً وهو شباط فتكون أيام سنيه ثلثمائةٍ وخمسةً وستين يوماً ويضاف إليه ربع يوم مراعاةً للسنـة الشمسيـة فتصيـر ثلثمائـة وخمسـةً وستيـن يومـاً وربع يوم ينقص جزءاً يسيراً. ومن أجل ذلك يعـدون ثلـاث سنيـن بسائط يكون شباط فيها تسعة وعشرين يوماً لإضافة ربع اليوم في السنين الأربع إليه وتكون السنة فيها ثلثمائةٍ وستةً وستين يوماً. وقـد تقـدم أيضاً أن شهور السنة الرومية تضاهي شهور السنة السريانية في عدد الأيام بل هي هـي إلا أن الـروم يسمـون أشهرهـم بأسمـاء غيـر أسمـاء شهـور السريـان ويكـون أول شهورهم موافقاً لكانون الثاني وهو الشهر الرابع من شهور السريان ويكون آخر شهورهم موافقاً لكانون الأول. وأسمـاء شهورهـم: ينيـر فبرايـر مـارس إبريـل مايـه يونيه يوليه أغشت شتنبر أكتوبر نونمبر دجنبر. ولا فرق في شيءٍ منها سوى اختلاف الأسماء وابتداء رأس السنة وحينئذ فيكون وأما التاريخ القبطي وهو الذي مبدأه من ملك دقلطيانوس فقد تقدم أن شهور السنة القبطية اثنا عشر شهراً وهي: توت بابـه هتـور كيهـك طوبـه أمشيـر برمهـات برمـوده بشنـس بؤونـة أبيب مسرى. وكل شهر منها ثلاثون يوماً من غير اختلاف ثم بعد مسرى خمسة أيام يسمونها أيـام النسـيء فتكـون أيـام سنتهـم ثلثمائـةٍ وخمسـةً وستيـن يومـاً وتزيـد بعـد ذلك ربع يوم في كل سنة كما في التاريخ الرومي وقد اصطلحوا على أن يعدوا منها ثلاث سنين بسائط كل سنة منها ثلثمائة وخمسةٌ وستون يوماً لا زيادة فيها والرابعة كبيسةٌ تكون أيام النسيء فيهـا ستـة أيـام وزيـادة ربـع يـوم وتصيـر أيـام تلـك السنة ثلثمائة وستة وستين يوماً على نحو ما تقدم في السرياني والرومي. وأما التاريخ العربي: وهو الذي مبدأه الهجرة فقد تقدم في الكلام على الشهور في المقالة الأولى أن شهور سنة العرب اثنا عشر شهرا. وهي: المحرم صفر ربيـع الـأول ربيـعٌ الآخـر جمـادى الأولـى جمـادى الآخرة رجبٌ شعبان رمضان شوال ذو القعدة ذو الحجة. وأنها قمرية مدارها رؤية الهلال إلا أن المنجمين اعتمدوا فيهـا علـى الحسـاب دون الرؤيـة لتصحيـح حساب التواريخ ونحوها وجعلوا فيها شهراً تاماً عدده ثلاثون يوماً وشهراً ناقصاً عدده تسعةٌ وعشرون يوماً على ترتيب شهور السنة فالمحرم عندهم تام وصفـر ناقـص وربيـع الـأول تـامٌّ وربيعٌ الآخر ناقصٌ وجمادى الأولى تـام وجمـادى الآخـرة ناقـص ورجـب تـام وشعبـان ناقـص ورمضان تام وشوال ناقصٌ وذو القعدة تامٌّ وذو الحجة ناقص. فيكون من السنة ستة أشهر تامة وستة أشهر ناقصة وتكون السنة حينئذ ثلثمائة يوم وأربعةً وخمسين يوماً ويلحقها بعد ذلك كسرٌ في كل سنة وهو خمس يوم وسدس يوم فتصير السنة ثلثمائة يوم وأربعة وخمسين يومـاً وخمـس يـوم وسـدس يـوم مفرقـة فـي ثلاثيـن سنـة ويجعلـون الكبيسـة سنـةً بعـد سنـة ثـم سنـةً بعـد سنتين ثم سنةً بعد سنة وعلى هذا الترتيب إلى آخر الثلاثين فتكون الكبائس هي: الثانية والخامسة والسابعة والعاشرة والثالثة عشرة والخامسة عشرة والثامنة عشـرة والحاديـة والعشرين والرابعة والعشرين والسادسة والعشرين والتاسعة والعشرين. فتكـون كـل سنـةٍ منهـا ثلثمائة وخمسةً وخمسين يوماً ويجعل الزائد فيها في ذي الحجة فيكون فيها ثلاثين يوماً وباقي سني الثلاثين بسائـط كـل سنـة منهـا ثلثمائـة وأربعـةٌ وخمسـون يومـاً وذو الحجـة فيهـا تسعـةٌ وعشرون يوماً بناء على الأصل في أن يكون شهرٌ تاماً وشهرٌ ناقصاً. وأما التاريخ الفارس: وهو الذي مبدأه من هلاك يزدجرد فقد تقدم في الكلام على الشهور أن سني الفرس اثنا عشر شهراً كـل شهـر منهـا ثلاثـون يومـاً. وهـي: أفروديـن مـاه أرديهشتمـاه حردادماه تيرماه تردماه شهريرماه مهرماه أبان مـاه أدرمـاه ذي مـاه بهمـن مـاه اسفندرامـا. وبيـن أبـان مـاه وأدرماه خمسة أيام تسمى المسترقة بمثابة أيام النسيء في آخر سنة القبـط وبمقتضـى ذلـك تكون سنتهم ثلثمائة وخمسةً وستين يوماً وليس فيها زيادةٌ ولا نقصٌ. فلا بد من معرفة هذه الأصول لاستخراج تواريخ بعض السنين المذكورة من بعض. ثـم ممـا يجـب تعرفه بعد ذلك أن تعلم أن التاريخ السرياني والرومي سنونه سريانية أو رومية على ما تقدم فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين السريانية والرومية من عدد الأيام والكبائس والتاريخ القبطـي سنونـه قبطيـة فيعتبـر فيهـا مـا يعتبـر فـي السنيـن القبطيـة مـن الأيـام والكبائس والتاريخ العربي سنونه عربية فيكون على ما تقدم في السنيـن العربيـة مـن عـدد الأيـام والكبائـس والتاريـخ الفارسي سنونه فارسية فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين الفارسية من عدد الأيام ولا كبيسة فيها إذا علمـت ذلـك فـإذا أردت استخـراج بعـض هـذه التواريـخ مـن بعـضٍ فانظـر التاريخ المعلوم عندهـا عنـدك كالتاريـخ العربي مثلاً عند الإسلاميين فجعل السنين تامة من التاريخ المعلوم أياماً وزد عليهـا مـا مضـى من السنة المكسورة من الشهور والأيام إلى اليوم الذي تريد أن تعلم موافقته لمثله من التاريخ المجهول ثم انظر فإن كان التاريخ المعلوم أقدم من التاريخ المجهول فانقص من أيام التاريخ المعلوم ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المجهول وإن كان التاريخ المجهول أقدم فازد ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المعلوم فما بلغ فهو أيام التاريـخ المجهـول. فـإذا علمـت أيـام التاريـخ المجهـول بزيادة ما بين التاريخين على أيام التاريخ المعلوم أو نقصانهـا منـه علـى مـا تقـدم فاجعـل ما حصل معك من أيام التاريخ المجهول الذي تريد استخراجـه فما كان فهو السنون التامة للتاريخ الذي تريد استخراجه فإذا بقي شيءٌ من الأيام فهـو السنيـن التامـة فخذ منها لكل شهر عدد أيامه وما بقي من الأيام دون شهر فهو الماضي من أيام الشهر الذي يلي ذلك. مثـال ذلـك إذا أردت أن تستخـرج التاريـخ السريانـي أو الرومـي الموافـق لآخـر سنـة ثمانمائـة مـن الهجرة فقد تقدم لك أن التاريخ السرياني والرومي مبدأه من غلبة الإسكندر على الفرس وهو قبـل الهجـرة بتسعمائـة سنـةٍ واثنتيـن وثلاثيـن سنة ومائتين وسبعةٍ و ثامنين يوماً وذلك ثلثمائة ألف يوم وأربعون ألف يوم وسبعمائة يوم فاحفظ ذلك ثم ابسط الماضي من سني الهجرة وهو ثمانمائـة سنـة أيامـاً بـأن تضـرب الثمانمائة في عشرة آلاف وستمائة وأحد وثلاثين يوماً وهي بسط السنة العربية من حين كسرها الزائد على أيامها وهو خمس يوم وسدس يوم يكون ثمانية آلاف وخمسمائـة ألف وأربعة آلاف وثمانمائة فاقسمه على ثلاثين وهي مخرج الكسر الذي هو الخمس والسدس يخرج بالقسمة مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفاً وأربعمائة وثلاثة وتسعون وهو عدد أيام الثمانمائـة سنـة فاضفـه علـى مـا بيـن غلبة الإسكندر والهجرة من الأيام وهو ثلاثمائة ألف وأربعون ألفاً وسبعمائة يوم ويكون الجمع ستمائة ألف وأربعةً وعشرين ألفاً ومائةً وثلاثةً وتسعين فاجعل تلـك الأيام سنين سريانية بأن تضرب تلك الأيام في أربعة يحصل منها ألفاً ألف وأربعمائة ألف وستةٌ وتسعون ألفاً وسبعمائة واثنان وسبعون يوماً فاقسمه على ألف وأربعمائةٍ وأحد وستين يخرج بالقسمة ألفٌ وسبعمائة وثمانية وهي سنون تامة ويفضل بعد ذلك ألفٌ وثمانمائة وأربعة وثمانون فاقسمها على أربع يخرج ثلاثمائة وستة وأربعون يوماً ويكون ذلك أحد عشر شهراً من أول تشرين الأول وأحد عشرة يوماً من الشهر الثاني عشر من الشهور السريانية وهي أيلول فيكـون آخـر يـوم من سنة ثمانمائة هجرية موافقاً لليوم الحادي عشر من أيلول سنة ألف وسبعمائة وتسع من السريانية. وإن أردت أن تستخرج التاريخ القبطي لآخر سنة ثمانمائةٍ فقد تقدم أن التاريخ القبطي ابتداؤه من ملك دقلطيانوس على القبط وهو قبل الهجرة بثلثمائة وسبع وثلاثين سنة وثلثمائةٍ وعشرين يوماً وجملة أيامه مائة ألف يوم وثلاثةٌ وعشرون ألف يوم وأربعمائة يوم وتسعة أيام فأضف أيام الماضي من سني الهجرة وهو مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفاً وأربعمائة وثلاثة وتسعون على ما تقدم في التاريخ السرياني على ما قبل الهجرة وهو مائة ألف وثلاثة وعشرون ألفاً وأربعمائة وتسعة أيام يكون المجموع أربعمائة ألفٍ وستة آلاف وتسعمائة يوم ويومين فاجعله سنين قبطية بـأن تضـرب ذلـك فـي أربعـة عـدد مخـرج كسـر السنـة القبطيـة وهو الربع الزائد على الخمسة وستين يكـون ألـف ألـف وستمائـة ألـف وسبعـة وعشريـن ألفـاً وستمائـة وثمانيـة فاقسمـه علـى ألف وأربعمائة وأحد وستين يخرج بالقسمة ألف ومائة وأربعة عشر وهـو عـدد السنيـن القبطيـة التامة ويبقى بعد ذلك أربعةٌ وخمسون فاقسمه على الأربعة المذكورة يخـرج بالقسمـة أربعـة عشر وهي أيام من الشهر الأول من السنة القبطية الناقصة فيكون آخر يوم من سنة ثمانمائة للهجرة موافقاً لرابع عشر شهر توت سنة ألف ومائة وخمس عشرة من السنين القبطية. وإن أردت أن تستخـرج التاريـخ الفارسـي لآخـر سنـة الثمانمائـة المذكـورة فقـد تقـدم أن ابتـداء التاريخ الفارسي بعد الهجرة بعشر سنين وثمانين يوماً وجملة أيامه ثلاثة آلاف يوم وستمائة يوم وأربعةٌ وعشرون يوماً فأسقطها من الحاصل من أيـام النسـيء الماضـي مـن الهجـرة إلـى آخـر الثمانمائة يكون الباقي بعد ذلك مائتي ألفٍ وتسعةً وسبعين ألفاً وثمانمائة وتسعةً وستين يوماً فاقسمهـا علـى ثلثمائة وخمسة وستين يخرج لك سبعمائة وستةٌ وستون سنة وهو عدد السنين الفارسية التامة ويفضل بعد ذلك مائتان وتسعةٌ وسبعون يوماً فخـذ لكـل شهـر عـدد أيامـه وهـو ثلاثـون يومـاً ويبقـى تسعـة أيـام منهـا خمسـة أيـام فـي نظيـر الخمسـة الأيـام الزائدة في آخر أبان ماه المعروفة بالمسترقة يبقى أربعة أيام من شهر ذي ماه وهو الشهر العاشر من شهورهم فيكون آخر يوم من ثمانمائة من الهجرة موافقاً لليوم الرابع من ذي ماه من شهور الفرس سنة سبعمائة وسبع وستين. فلـو فـرض أنه مضى من سنة إحدى وثمانمائة ستة أشهر مثلاً فاجعل الأشهر شهراً تاماً وشهراً ناقصاً على ما تقدم تكون أيامها مائةً وسبعة وسبعين يوماً فأضفها على أيام الثمانمائة وافعل فيها ما تقدم ذكره لا يتغير العمل في شيء من ذلك. مثال ذلك: إذا أردت استخراج التاريخ السرياني في آخر جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة فأضف مائة وسبعة وسبعين وهي أيام ستة أشهر على أيام الثمانمائة وهي مائتا ألفٍ وثلاثةٌ وثمانـون ألفـاً وأربعمائـة وثلاثـةٌ وتسعـون يكـون المجمـوع مائتـي ألـفٍ وثلاثـةً وثمانين ألفاً وستمائة وستين يوماً فأضف إليه ما بين الهجرة والتاريخ السرياني وهو ثلثمائة ألفٍ وأربعون ألفاً وسبعمائة يحصل من ذلك ستمائة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفاً وثلثمائة وسبعون فاضربه في أربعة يخرج ألف وستمائة وتسعة ويفضل من الأيام مائةٌ وثمانية وخمسون يوماً تكون سابع أذار من شهور السريان فيكون آخر يوم من جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة موافقاً للسابع من شهر أذار سنة ألف وسبعمائة وعشر من سني السريان. قلـت: وفي كتب الزيجات وغيرها طرق مختلفة لاستخراج التواريخ وجداول موضوعةٌ لا يحتملها هذا الكتاب فليراجعها من احتاج إلى زيادة على ذلك. الجملة التاسعة في موضع كتابة التاريخ من الكتاب وصورة وضعه في الكتابة أما موضعه من الكتاب فقال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة: رسموا تاريخ الكتب في آخرها وجعلته العامة في صدورها. والتحقيق في ذلك ما ذكره صاحب مواد البيان وغيره أن الكتب التي تؤرخ على ضربين: الضرب الأول الكتب السلطانية ولها حالان: الحالـة الأولـى أن يكـون الكتـاب فـي أمـر تتشـوف النفوس إلى معرفة اليوم الذي وقع ذلك الأمر فيه كالحوادث العظام والفتوحات والمواسم ونحوها فيؤرخ الكتاب في صدره مثل أن يكتب في صـدر الكتـاب كتـاب أميـر المؤمنيـن إليـك أو كتابنـا إليـك يـوم كذا من سنة كذا كما كان يكتب في الزمن المتقدم في مثل ذلك. الحالة الثانية أن يكون الكتاب في أمر لا تتشوف النفوس إلى معرفة اليوم الذي يقع ذلك الأمر فيه فيؤرخ الكتاب في آخره. الضرب الثاني كتب الأتباع إلى الرؤساء. والرسـم فيهـا أن تـؤرخ في صدورها. قال في مواد البيان: وذلك مثل أن يقال: كتب العبد من مقر خدمته يوم كذا. قلـت: والـذي استقـر عليـه حـال كتـاب الزمـان كتابة التاريخ في آخر الكتاب بكل حال سواءٌ كان المكتـوب ولايـةً أو مكاتبـةً أو غيـر ذلـك ولعل الولايات وما في معناها لم يقع الاختلاف في كتابتها في آخر المكتوب في زمن من الأزمان. وأمـا صـورة وضع التاريخ في الكتابة فقد اصطلح الكتاب على أن جعلوا التاريخ بعد كتابة إن شـاء اللـه تعالـى فـي سطريـن فيكتبـون كتـب فـي كـذا مـن شهـر كـذا فـي سطـرٍ ثم يكتبون سنة كذا في سطر تحته وفي الكتب عن قضاة القضاة يجعل كتابهم جميع التاريخ في سطر واحد. الطرف الثالث في المستندات وفيه جملتان في صورة ما يكتب وهو على ضربين الضرب الأول أن يضاف إلى مرسوم السلطان وله خمس حالات الحالـة الأولـى أن يكون بتلقي كاتب السر إما بما يأمر به السلطان عند قراءته القصة عليه أو بما يكتبـه كاتـب السـر ويمضيـه مـن نفسه كما في خلاص الحقوق ونحوها فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف في سطرٍ واحد لا غير. الحالة الثانية أن يكون بتلقي كاتب السر أو أحد من كتاب الدست بدار العدل عند جلوس السلطان في المواكب بالإيوان وقراءة كاتب السر وكتاب الدست قصص المظالم ونحوها عليه. فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف من دار العدل الشريـف سطريـن أحدهمـا تحـت الآخـر ويكون في السطر الأول حسب المرسوم الشريف والباقي في السطر الثاني. الحالـة الثالثة أن يكون برسالة الدوادار. فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف سطراً واحداً ثم يكتـب تحتـه برسالـة الجناب العالي الأميري الدوادار الفلاني باللقب المضاف إلى الملك كالناصري ونحوه ضاعف الله تعالى نعمته ويكون آخر السطر الأول الأميري الفلاني. الحالـة الرابعـة أن يكـون من ديوان الخاص. فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف من ديوان الخاص الشريف ويكون حسب المرسوم الشريف سطراً وباقي الكلام سطراً. الحالة الخامسة أن يكون بخط السلطان بظاهر قصةٍ. فيكتب حسب المرسوم الشريف بالخط الشريف سطرين ويكون حسب المرسوم الشريف سطارً على ما تقدم وما بعده سطراً. قلـت: وممـا يجـب التنبه له أن لفظ حسب الواقع في المستندات منقول اللغة فيه بفتح السين كما تقول: فعلت ذلك حسب أمرك ولا يجوز تسكينها بحال كما أطبق عليه علمـاء اللغـة إلا مـا حكاه الجوهري في صحاحه من جواز تسكينها في ضرورة الشعر على أن جل كتاب الزمان يغلطون في ذلك فلا ينطقون بها إلا ساكنة السين وربما ضبطوه كذلك في الكتابة. الضرب الثاني أن يجعل مستنده الإشارة وله ثلاث حالات الحالة الأولى أن يكون بإشارة النائب الكافل فيكتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الكافلية كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى! سطرين ويكون آخر السطر الأول الكافلية الفلانية. الحالة الثانية أن يكون بإشارة الوزيـر فيكتـب بالإشـارة العاليـة الوزيريـة الفلانيـة مدبـر الممالـك الشريفة أعلاها الله تعالى! سطرين ويكون آخر السطر الأول الوزيرية الفلانية. الحالـة الثالثـة أن يكـون بإشـارة الإستـدار فيكتـب بالإشـارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية إستدار العالية أعلاها الله تعالى! سطرين ويكون آخر السطر الأول الكبيرية الفلانية. وقد تقدم في الكلام على الألقاب ما جرى عليه الكتاب في لفظ إستدار من التحريف واستعملوه بلفظ إستادار أو استاد الدار وتجب موافقتهم عليه وإن كان خطأ جرياً على المصطلح. الجملة الثانية في موضع كتابة المستند وقد اصطلح الكتاب على أن يكتب المستند في الغالب بعد التاريخ ويكون الظرف أو الجار والمجرور فيه متعلقاً من التاريخ بلفظ كتب وكأنه يقول: كتب في تاريـخ كـذا حسـب الأمـر الشريف أو بالإشارة الفلانية. وربما كتب بحاشية المكتوب في المراسيم الصغار التي تكتب على ظهور القصص ونحوها وكذلك أوراق الطريق وموضع كتابته يقابل بين السطرين الأوليـن آخـذاً مـن جهـة الأسفـل إلـى جهـة الأعلـى بحيـث يكـون آخر كتابة المستند مسامتاً للسطر الأول فإن كان حسب المرسوم الشريف فقط كتبه سطراً واحداً وإن كان من دار العدل كتب حسب المرسوم الشريف سطراً ومن دار العدل الشريف سطراً تحته وكذلك إن كان من ديوان الخاص كما يكتب في أسفل الكتاب. وإن كان برسالة الدوادار فقد جرت العادة أن يكتب حسب المرسوم الشريف في أسفل الكتاب تحت التاريخ سطراً واحداً ويكتب برسالة الجناب العالي الأميـري الكبيـري الفلانـي الـدوادار الفلانـي ضاعـف اللـه تعالـى نعمتـه! بالهامش في المحل المتقدم سطرين كما كان يكتب بآخر الكتاب. وإن كان المستند الإشارة كتب جميعه بحاشية الكتاب في المحل المقدم ذكره سطرين على ما تقدم بيانه. الطرف الرابع في الحمدلة في آخر الكتاب وفيه جملتان الجملة الأولى والأصـل فـي ذلـك أن اللـه سبحانـه كمـا جعل الحمد مفتاحاً للأمور تيمناً بالافتتاح به جعله ختاماً لهـا تيمنـاً بالاختتـام بـه قـال تعالـى: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من السفر قال: " ائبون تائبون لربنـا حامـدون ". قـال السهيلـي: ومـن ثـم سمـي النبـي صلـى اللـه عليـه وسلم أحمد إشارةً إلى أنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين. ولما كان الأمر كذلك اصطلح الكتاب على اختتام الكتب بالحمد تبركاً. قال ابن شيث في معالم الكتابة: ولا يختم بالحمد لله في التواقيـع فـي المظالـم وربمـا ختـم بهـا فـي تواقيـع الإطلاقـات. وقـد اصطلح كتاب الزمان على حذفها من آخر ما لا يكتب في أوله البسملة كالتواقيـع الصغـار ونحوهـا علـى مـا سيأتـي فـي موضعـه إن شـاء اللـه تعـال. وكأنهـم يشيرون بذلك إلى أن مثل ذلك لا يهتم بشأنه فكما حذفوا البسملة من أولها حذفوا الحمدلة من آخرها إشارةً إلى عدم الاهتمام بها كما حذفت من أول الكلام الذي لا يهتم به لأجل ذلك على ما تقدم بيانه. الجملة الثانية وصورة وضعه في الكتابة أما ما يكتب فقد اصطلحوا على أن يكتبوا في حمدلة آخر الكتاب الحمد لله وحده وربما كتبـوا: الحمـد للـه رب العالميـن. علـى أنهـم لـو أطبقـوا علـى كتابتهـا لكـان أولـى. فقـد ذكر النووي في كتابه الأذكار أنها أفضل صيغ الحمد ومن أجل ذلك افتتحت بها فاتحة الكتاب التي هي أم القرآن. وأما وضعها في الكتابة فقد اصطلحوا على أن جعلوها بعد كتابة المستند عن يمنة الدرج علـى بعـد قـدر مـا بيـن إن شـاء اللـه تعالـى والسطـر الآخـر مـن المكتـوب. قـال فـي معالـم الكتابـة وقد تحتمل الخروج عن سمت السطور. الطرف الخامس في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الكتاب وما يلتحق بذلك وفيه جملتان الجملة الأولى في أصل إثباتها في آخر الكتاب والأصـل فـي ذلـك مع ما تقدم في الكلام على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الكتب في الكلام على الفواتح أنه كما ذكرت في أوائل الكتب تبركاً كذلك ذكرت في آخرها تبركـاً. وقـد قـال تعالـى فـي حقـه صلـى اللـه عليـه وسلـم: " ورفعنـا لـك ذكـرك " فـإن معنـاه ما ذكرت إلا ذكـرت معي ولما اختتمت الكتب بالحمد لله ناسب أن يقرن الحمد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جمعاً بيـن ذكـره وذكـر اللـه تعالـى. وقـد ذكـر ابـن هشـام فـي سيرتـه أن النبـي صلـى اللـه عليه وسلم كتب في آخر عهده لعمرو بن حزم حين وجه إلى اليمن صلى الله على محمد. ثـم الكلـام فـي الجمع بين الصلاة والسلام والصلاة على الآل والصحب بعده صلى الله عليه وسلم في آخر الكتاب على ما مر في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أول الكتاب. قلت: فلو كتب كتابٌ لسلطانٍ أو غيره من المسلمين إلى أحد من أهل الكفر فهل يؤتى بالصلاة علـى النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم كمـا يؤتـى بهـا فـي الكتـاب إلـى المسلـم إرغامـاً للكافـر بالصلـاة على النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم أو لا يؤتـى بهـا صيانـةً لاسمـه صلـى اللـه عليـه وسلـم عـن حصولـه فـي يـد كافرٍ كما يمنع من السفر بالمصحف إلى بلاد الكفر لم أر من تعرض له والظاهر أنه يؤتى بها إرغاماً للكافر ومواجهةً له بما يكره. وقد حكى أبو هلال العسكري في كتابة الأوائل أن عبد الملك بن مروان حين أحدث كتابة سـورة الإخلـاص وذكـر النبـي صلى الله عليه وسلم على الدنانير والدراهم كتب إليه ملك الروم: إنكم قد أحدثتم في طواميركم شيئاً من ذكر نيبكم فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا ذكر مـا تكرهون فعظم ذلك في صدر عبد الملك فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية يستشيره في ذلـك وكان أديباً عالماً فقال له خالدٌ: فرخ روعك يا أمير المؤمنين حرم دنانيرهم واضرب للناس سككاً فيها ذكر الله تعالى وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تعفهم مما يكرهون فـي الطوامير ففعل. الجملة الثانية في بيان ما يكتب في التصلية في آخر الكتب وصورة وضعه في الكتابة أما صورة ما يكتب فقد اصطلح الكتاب على أن يكتبوا في التصلية في آخر الكتاب بعد الحمد لله وحده ما صورته وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه. وهي صيغة مستحسنة للإتيان بالصلاة فيها بصيغة الجمع والجمع بين الصلاة والسلام وإتباع الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم بالصلاة والسلام على الآل والصحب. وربما أتى بعض الكتاب واعلم أن الصلاة يجوز كتابتها بالألف على هذه الصورة الصلاة ويجوز كتابتها بالواو على هذه الصـورة الصلـوة إلا أن محـل ذلك ما إذا لم تضف إلى ضمير نحو صلاته وصلاتك. فإن أضيفت إلى الضمير تعينت كتابتها بالألف دون الواو وربما غلط فيها بعض الكتاب فكتبها بالواو. وأما موضعها في الكتابة فقد اصلطلحوا على أن يكتبوا ذلك تلـو الحمـد للـه وحـده يفصـل بياض بينهما لتكون الحمدلة في أول السطر والتصلية في آخره. الطرف السادس في الحسبلة في آخر الكتاب وفيه جملتان الجملة الأولى في أصل كتابتها والأصل في ذلك ما دل عليه قوله تعالى: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ " فجعل قولهم: حسبنا الله ونعم الوكيل سبباً لحسن المنقلب والصون عن السوء. وقد قيل: من قال الجملة الثانية في بيان ما يكتب في ذلك وكيفية وضعه في الكتابة أما ما يكتب فقد اصطلح الكتاب على أن يكتبوا حسبنا الله ونعم الوكيل بلفظ الجمع على أن المتكلـم يتكلـم بلسانـه ولسان غيره من الأمة لا أن الجمع للتعظيم لأنه ليس بلائق بالمقام. وكان بعـض الكتـاب يستحب أن يكتب حسبي الله بلفظ الوحدة فراراً من اللبس في لفظ الجمع بين التعظيم والجمع الحقيقي. وقد أشار في صناعـة الكتـاب إلـى بعـض ذلـك. قـال ابـن شيـث فـي معالـم الكتابـة: وقـد يتـأدب الأدنـى مـع الأعلى فيأتي بالآية على نصها فيقول: قـال: وقـد يقـال فـي مكانهـا: ثم بعض الكتاب قد يكتب مع الحسبلة واواً بأن يكتب: وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا معنى للواو هنـا إذ لا علاقـة بيـن الحسبلـة وما قبلها حتى يسوغ العطف عليه فالواجب حذفها كما نبه عليه الشيخ جمال الدين بن هشام في ورقاته في الوراقة. وأما موضع وضعها في الكتابة فقد اصطلحوا على أن يكتبوها سطـراً واحـداً بعـد سطـر الحمدلـة والتصليـة ويكـون بينهمـا فـي البعـد قـدر ما بين إن شاء الله تعالى وبين السطر الآخر من البياض. قال ابن شيث: وموضعها ثلث السطر من الجانب الأيمن إلى حيث ينتهي. واعلم أن الكتاب قد اصطلحوا على أن يكتبوا تحت الحسبلة صورة حاء لطيفة منكبة على هـذه الصـورة حـر ولا معنـى لهـا إذ هـي في الأصل إشارة إلى الحسبلة نفسها وكأن بعض الكتاب كـان يكتفـي بهـا عـن الحسبلـة ثم التبس ذلك على بعض الكتاب فأثبتها مع الحسبلة على ظن أن فيها قدراً زائداً عليها ويحتمل أنها إنما وضعت في الأصل لسد البياض كما يكتب بعض الدوائر لسد البياض أو الفصل بين الكلامين وغير ذلك. الطرف السابع في اللواحق وفيه جملتان الجملة الأولى في التتريب الأمر الأول في الندب إلى التتريب لا نزاع في أن تتريب الكتاب بعد الفراغ منه بإلقاء الرمل ونحوه عليه مطلوبٌ وفيه معنيان: المعنـى الـأول التبرك طلباً لنجح القصد فقد روى محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة بسنـده عـن إسماعيـل بـن محمـد بـن وهـبٍ عـن هشـام بن خالد وهو أبو مروان الأزدي عن بقية بن الوليـد عـن عطـاءٍ عـن ابـن جريـج عـن ابـن عبـاس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تربوا الكتـاب ونحـوه مـن أسفلـه فإنـه أعظـم للبركـة وأنجـح للحاجـة ". وفـي حديـث " إذا كتـب أحدكـم كتاباً فليتر به فإنه مباركٌ وهو أنجح لحاجته. " ومـن كلـام أميـر المؤمنيـن عمـر بن الخطاب رضي الله عنه: تربوا الكتاب تنجحوا. ويؤيد ذلك ما روي أن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم كتـب كتابيـن إلـى أهـل قريتيـن فتـرب أحدهمـا ولـم يترب الآخر فأسلمت القرية التي ترب كتابها. وهذا المعنى موجود في المكاتبات والولايات وغيرهما لطلب البركة والنجاح في جميع ذلك. وقد حكي أن أبا دهمان مرض مرضاً أشفى فيه فأوصى وأملى وصيته على ابنه فكتبها وأتربهـا فقـال: نعـم تربهـا فإنـه أنجـح للحاجـة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون المكتوب قد جف أم المعنـى الثاني التجفيف لما كتبه بطرح التراب عليه كي لا ينمحي بما يصيبه قبل الجفاف وهذا المعنى أضعف من الأول ومقتضاه أنه إذا جف الكتاب لا يترب وعليه عمـل كتـاب الزمـان. ومن هنا يضعون التراب على آخر الكتاب من حيث أنه أقرب عهداً بالكتابة فيحتاج إلى التجفيف بخلاف أول الكتاب فإنه يكون قد جف عند نهاية الكتاب غالباً لا سيما في الزمن الحار أو مع طول الكتاب وامتداد زمن كتابته. على أن صاحب مواد البيان وغيره من قدماء الكتاب قد صرحوا بأنه يستحب وضع التراب أولاً على البسملة ثم يمره الكاتب منها على سائـر المكتوب ليعم الكتاب بركة البسملة. ولقائلٍ أن يقول إن التتريب من آخر الكتاب إلى أعلاه لا يخلو أيضاً من بركة لملامسة التراب أولاً الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والحسبلة. وربما أبلغ بالتراب من أسفل الكتاب إلى البسملة ثم أعاده فيجمع فيه بين البركتين. الأمر الثاني فيما يترب به الكتاب وقد اصطلح كتاب الزمان على التتريب بالرمل الأحمر. أما تخصيصهم التتريب بالرمل فلأنه لا غبـار فيـه يعلق بالكتاب فيذهب بهجة الورق. وأما اختيارهم الأحمر دون غيره فلأنه أبهج إذا لصـق بالكتـاب. قـال محمـد بـن عمـر المدائنـي: وكرهوا ونهوا عن تراب الحيطان ومالوا إلى النشارة والأشنـان. قـال: وبلغنـا أن بعـض الأئمـة مـن أهـل العلـم كـان يتـرب الحديث بالصندل ويقول: لا أطرح علـى حديـث رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم التـراب. وكـان حيـوة بن شريح يخرج إلى الصحراء فيأخـذ الطيـن الأسـود فيدقـه وينخلـه فيتـرب بـه. وقـد صـرح الرافعـي وغيـره من أصحابنا الشافعية أنـه يحـرم التتريـب مـن جـدار الغيـر ومعنـاه ظاهـرٌ لما فيه من الاغتصاب والاعتداء. وقد سبق في المقالة الأولى في الكلام على الخط ذكر أنواع الرمل وأن من أحسنه رملاً يؤتى به من صحراء ماردين فيه شذورٌ صفر كشذور الذهب يلقى في الرمل الأحمر فيترب به الأمراء والوزراء ومن في معناهم. الجملة الثانية في نظر الكاتب في الكتاب وتأمله بعد الفراغ منه قـد نصـوا علـى أنـه إذا فـرغ الكاتب من كتابة الكتاب ينبغي له أن يتأمله من أوله إلى آخره ويتتبع ألفاظه ويتأمل معانيه ويصلح منها ما لعله وهم فيه الفكر أو سبق إليه القلم ليسلم من قدح القـادح وطعـن الطاعـن. وقـد تقـدم فـي مقدمة الكتاب أن صاحب الديوان لا يكتفي بنظر الكاتب فـي ذلـك بـل يكلـه إلـى نظـر كاتـبٍ كامـلٍ ينصبـه لذلـك ثـم يتأملـه هو بنفسه بعد ذلك ليتنقح الكتاب ويتهذب.
|